هكذا أتقن أطفالي عدة لغات

 

كيف تعلم أطفالك أكثر من لغة



عندما هاجرتُ من بلدي مرغمًا منذ حوالي سبع سنوات من الآن ووصلت تركيا، كان أكثر ما أثار قلقي هو أن يكبر أولادي بعيدًا عن لغتهم العربية الأم التي لطالما كنت أحلم أن يكونوا مغرمين بها كما كنت ولا أزال.

لكن في ظروف الهجرة قد تجد نفسك أحيانًا عاجزًا عن الموازنة بين لغتك الأم ولغة المغترب.. فأولادك يتعرضون إلى لغتين لغة آبائهم ولغة مجتمعهم الخارجي بآن معًا، وهذا له سلبياته وإيجابياته..

بحسب الدراسات يستغرق الطفل مدة أطول لتعلم لغتين في وقت واحد مقارنة بلغة واحدة وذلك لأنه سيحصل على مفردات ومعلومات أقل في كل لغة يتعلمها مقارنة بالأطفال الذين يتلقون معارفهم بلغة واحدة فقط وهذا قد يبطئ من وتيرة تعلم كل لغة ومعدل نمو اللغة يتأثر بكمية إدخال اللغة. 

لكن الجيد في الأمر هنا أن تعلم اللغة الأم يعزز تعلم لغات أجنبية بسهولة أكبر كما أن الأطفال يتلقون اللغة بسرعة ويتعلمونها بوتيرة أسرع من البالغين، ويمكن اعتبارهم في الطفولة المبكرة بمثابة اسفنجات لغوية تمتص أي لغة تسكب فيها، لهذا كلما تعلم الطفل لغة جديدة باكرًا فسوف يتمكن منها بسرعة وسيصبح متحدثًا بارعًا فيها مستقبلًا.

لهذا من الضروري أن يعمل الوالدان على تطوير اللغة الأم لأولادهم إضافة إلى لغة البلد الذي يهاجرون إليها بنفس الوتيرة وبذات الكمية.. 

كما يجب عليهم أن يحرصوا على تلقي كل لغة من أهلها ومن متخصصين ومتحدثين أكفاء بها فهذا من شأنه أن يشجع الأطفال إلى استخدام كلتا اللغتين بكفاءة وسلاسة. 

فمن جهة لغة المهجر تفيدهم في الدراسة والحياة، ولغتهم الأم تفيدهم في بقائهم متصلين مع جذورهم  وتراث أجدادهم والأهم في تعلم دينهم وقرآنهم الذي نزل بلسان عربي مبين.. 

لقد حرصتُ كل الحرص على تسجيل أولادي بداية قدومي إلى تركيا في رياض أطفال تعلمهم اللغة العربية وحرصت أنا ووالدتهم حفظها الله على تعليمهم اللغة التركية قدر المستطاع قبيل دخولهم إلى المدرسة ليندمجوا بسرعة مع أقرانهم. 

وعندما دخلوا المدارس سجلتهم في مراكز لتعليم القرآن الكريم على يد أساتذة متخصصين كي لا ينسيهم التعلم المدرسي لغتهم الأم مجددًا. وأنا هنا لا أعني بالطبع اللغة العامية فهذه لن ينسوها بحكم استخدامها في المنزل لكنني أعني اللغة العربية الفصحى برصانتها ورزانتها ومخارج حروفها وقواعدها..


كيف يتعلم الطفل اللغة؟  

تعلم اللغة أمر طبيعي، ويتعلمها جميع الأطفال بالطريقة نفسها بغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها آباؤهم، وهناك ثلاثة مراحل أساسية يطور فيها الطفل لغته وهي:

 مرحلة1- تعلم الأصوات أو الصوتيات 

 يبلغ عدد الأصوات حوالي 150 صوتًا في لغات العالم لكن لا توجد لغة تستخدم كل هذه الأصوات معًا، حيث تستخدم اللغة الواحدة وسطيًا حوالي 50 صوتًا. لهذا السبب في هذه المرحلة يتعلم الأطفال الصوتيات التي تنتمي إلى اللغة التي يتعلمونها ويتكون لديهم الوعي الصوتي الذي سيفيدهم لاحقًا في تعلم القراءة.  

 

مرحلة2- تعلم الكلمات

 في هذه المرحلة يتعلم الطفل كيف تجتمع الأصوات في أي لغة لتكوين كلمات ذات معنى، ولفهم هذه الأصوات، يجب أن يتعلم الطفل حدود الكلمات أي يعرف أين تنتهي كلمة واحدة، وأين تبدأ كلمة أخرى. 

 مرحلة3- تعلم الجمل 

في هذه المرحلة يتعلم الطفل كيفية إنشاء جمل، وطريقة وضع الكلمات بالترتيب الصحيح بحسب اللغة التي يتعلمها مثلاً يتعلم أنه في اللغة العربية عليه وضع الفعل ثم الفاعل ثم المفعول به ليعبر عن جملة بسيطة. كما يتعلم الأطفال هنا التمييز بين صحة المبنى وبين صحة المعنى فإذا قلنا لهم جملة صحيحة في البنية لكنها ذات معنى غير صحيح فسوف يدركون ذلك. 

والأطفال مع نموهم يستمرون في توسيع مفرداتهم وتطوير جمل وتراكيب أكثر تعقيدًا، ومع ذلك يظل استخدامهم لها لا يشبه تمامًا لغة البالغين حتى يبلغوا سن العاشرة تقريبًا، وفي سن المراهقة، وتصبح لغتهم تامة ومكتملة، ويتعلمون استخدام القواعد المعقدة للغة بشكل صحيح.

لذا نصيحتي لك يا صديقي، ابدأ مع أطفالك مبكرًا لتحصل على نتائج أفضل واحرص في بلاد المغترب على تعليم أولادك لغتك الأم ولغة المهجر دون إهمال واحدة على حساب الأخرى، لأنك بهذا تعطيهم رصيدًا عاليًا على الصعيد الشخصي والإدراكي وكذلك على الصعيد المهني مستقبلًا.. قد تحتاج فقط وقتًا وجهدًا أكثر بقليل لتحقق هذا لكنك ستجني نتائج مرضية في المدى البعيد.. فأطفالك يستحقون الأفضل

 


Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url